فصل: مسألة قال امرأتي طالق إن خرج من المسجد إلى الليل إلا أن يأذن له فلان:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة



.مسألة قال امرأتي طالق إن خرج من المسجد إلى الليل إلا أن يأذن له فلان:

وعن رجل قال: امرأتي طالق إن خرج من المسجد إلى الليل، إلا أن يأذن له فلان، فقال فلان ذلك: فأشهدوا أني لا آذن له إلى الليل، ثم أذن له بعد ذلك.
قال أصبغ: لا أرى ذلك ينفعه، وأرى قوله الأول: لا آذن له عزما يلزمه؛ لأنه قد أشهد على نفسه بذلك، فهو بمنزلة التوقيف، أن لو وقف فأبى، ثم أراد بعد ذلك أو أشد، فأرى الحالف حانثا إن كان قد فعل.
قال محمد بن رشد: ليست هذه المسألة على ما بني عليه أصل المذهب من مراعاة المعاني في الأيمان، دون الاقتصار فيها على ما يقتضيه مجرد الألفاظ، والذي يجب في هذه المسألة على الأصل المذكور ألا يكون عليه شيء إن خرج إذا أذن له، وإن كان قد منعه أولا، وقال: لا آذن له، ألا ترى أنه لو قال لامرأته: أنت طالق إن خرجت إلا بإذني، فسألته أن تخرج فأبى أن يأذن لها، ثم سألته فأذن لها أن تخرج ولا تحنث ولا يضره منعه لها أولا من الخروج، ولا خلاف في هذا، ووجه قول أصبغ أنه حمل يمينه على اللفظ، ولم يراع المعنى، وجعل يمينه ألا يخرج من المسجد إلا أن يأذن له فلان، كحلفه ألا يخرج من المسجد إن نهاه فلان، فإذا خرج بعد أن نهاه وجب أن يحنث، وإن أذن له بعد ذلك على قياس قول أصبغ هذا لو أذن له أولا، ثم نهاه ألا يكون عليه شيء إن خرج على الإذن الأول بعد أن نهاه، وقد وقع نحو هذا لمالك في رسم الطلاق، من سماع أشهب، من كتاب التخيير والتمليك، ومضى في رسم يوصي، من سماع عيسى، من هذا الكتاب، من قولها في مسألة من هذا المعنى ما يزيد هذه المسألة بيانا، وبالله التوفيق.

.مسألة له ثلاث نسوة فقال لإحداهن أنت طالق البتة ثم قال للأخرى أنت شريكتها:

وسئل عن رجل كان له ثلاث نسوة، فقال لإحداهن: أنت طالق البتة، ثم قال للأخرى: أنت شريكتها، ثم قال للثالثة: أنت شريكتهما.
قال أصبغ: إذا قال البتة، فهن كلهن طوالق البتة، ولا ينفعه أنه قال ثلاثا البتة، والثلاث لا تغني مع البتة قدم الثلاث أو أخرها، والبتة حرف واحد لا يتبعض ولا يفترق.
فإن كان قال لها: أنت طالق ثلاثا، ثم قال للثانية: أنت شريكتها، ثم قال للثالثة: أنت شريكتهما، كانت الأولى منه بائنة بثلاث، وكانت الثانية تبين منه باثنتين، وتكون عنده على طلقة تبقى له، وكانت الثالثة تبين منه بثلاث أيضا؛ لأنها شريكة الأولى بواحدة ونصف، فصارت اثنتين، وشركت الثانية بواحدة فصارت ثلاثا.
قال محمد بن رشد: بنى أصبغ جوابه في هذه المسألة على اعتبار ما يحصل لكل واحدة منهن بالقيمة من عدد الطلاق الذي شرك بينهن فيه، على ما قال في المدونة: إذا قال لأربع نسوة له: بينكن أربع تطليقات بدون أن يقع على كل واحد منهن طلقة طلقة، وإذا قال لهن: بينكن خمس تطليقات فأكثر إلى الثمان، وقع على كل واحدة منهن تطليقتان، وإن قال: بينكن تسع تطليقات أو أكثر، وقع على كل واحدة منهن ثَلاث ثلاث، وقد قيل: إنه يقع على كل واحدة منهن في هذه المسألة ثلاث ثلَاث، وكذلك لو قال لأربع نسوة له: قد شركت بينكن في تطليقتين؛ لوقع على كل واحدة منهن طلقتان طلقتان، ولو قال: قد شركت بينكن في ثلاث تطليقات فأكثر؛ لوقع على كل واحدة منهن ثلاث ثلَاث؛ لأن كل واحدة منهن يحصل لها بحكم الشركة من كل طلقة، فيجبر عليها، بخلاف مسألة المدونة؛ لأنه لما قال بينكن كذا وكذا من عدد الطلاق، ولم يقل: إنهن في ذلك أشراك، حمل على أنه إنما أراد أن يكون ذلك بينهن على ما يحصل لكل واحدة منهن من عدد الطلاق إذا قسم بينهن، وهذا الاختلاف على اختلافهم، فيمن صرف دنانير بدراهم، فوجد في الدراهم درهما زائفا، هل ينتقض صرف الدنانير كلها، أو صرف واحد، وقد مضى في سماع عبد الملك ذكر الاختلاف في تبعيض البتة، فلا وجه لإعادة ذلك، وبالله التوفيق.

.مسألة خرجت امرأته فحلف بالطلاق ألا يبعث في ردها فبعث إلى ولده فأخذه:

وسئل عن رجل خرجت امرأته إلى منزل أهلها، فحلف بالطلاق ألا يبعث في ردها، وكان له معها ولد صغير، فبعث إلى ولده فأخذه منها، فرجعت تأخذ الولد منه.
قال أصبغ: هو حانث؛ لأن أخذه الولد وإرساله فيه، ونزعه منها سبب للإرسال إليها ولردها.
وقد قال مالك في الرجل يحلف لامرأته ألا يخرجها عن المدينة إلا برضاها، فأقام بمصر لا يبعث إليها بنفقة دهرا، فلما أرادت ذلك خرجت إليه، قال مالك: أراه حانثا؛ لأنه هو ألجأها إلى الخروج، فهذا عندي مثله.
قال محمد بن رشد: مثل قول مالك في هذا في رسم الطلاق الأول، من سماع أشهب، من كتاب النكاح، وحكى ابن سحنون، عن أبيه، أنه لا حنث عليه في المسألتين جميعا، وقول مالك أظهر؛ لأن اضطراره إليها إلى الخروج بما فعل مما ليس له أن يفعله إخراج، والحنث يدخل بأقل الوجوه، وبالله التوفيق.

.مسألة يقول لغريمه احلف لي بالطلاق لتقضيني حقي إلى أجل كذا وكذا فيأبى:

وسألته عن الرجل يقول لغريمه: احلف لي بالطلاق لتقضيني حقي إلى أجل كذا وكذا، فيأبى أن يحلف بالطلاق، فيقول له: احلف لي بالحلال عليك حرام، وهو جاهل أن الحلال عليه حرام يدخله الطلاق، فحلف وحنث في يمينه، هل ترى عليه في يمينه حنثا، أو ترى هذا القول: لست أحلف بالطلاق استثناء، ولا يكون عليه حنث؟
قال أصبغ: بل أراه حانثا، وأراه يمينا كالمجردة بغير ما وصفت، وأحمله أيضا على أنه تارك للأول، وراجع إلى الثاني، وكمن أبى الطلاق ثم رجع إليه، ولا أصدقه ولا تنفعه الجهالة، وإن رأى أنه صادق؛ لأنها يمين بالطلاق لفظا؛ لأن لفظ الحلال علي حرام طلاق، فهو كمن لفظ بالطلاق لفظا، وليست الجهالة بأحسن حالا من العلم في هذا؛ لأن الطلاق جهالته علم، وجهالته طلاق، وكما أن جده طلاق، وهزله طلاق، ألا ترى أن الأعجمي يلفظ بالطلاق، ويطلق ولا يعرف الطلاق ولا ما هو؟ ولا حدوده، ولا أنه يلزم أو لا يلزم، فيلزمه ويحنث؟ فافهم.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن التحريم من كنايات الطلاق، وقد قيل: إنه من صريحه، وإلى هذا ذهب أصبغ، وقال: إن الجاهل لا يعذر في ذلك بالجهل؛ لأن صريح الطلاق لا يعذر الجاهل فيه، ولا يسأل أحد هل أراد بذلك الطلاق أو لم يرده، ولا يصدق إن قال: إنه لم يرد به الطلاق، وإن أتى مستفتيا، فزعم أنه لم يرد بذلك جرى ذلك على الاختلاف في مجرد اللفظ دون النية، هل يلزم به الطلاق أم لا، والأظهر أنه لا يلزم به، وكذلك الحكم في كنايات الطلاق البينة.
وقد اختلف في صريح الطلاق ما هو على ثلاثة أقوال؛ أحدهما: أن صريحه لفظ الطلاق خاصة، وأن كناياته ما عدا ذلك مثل الخلية، والبرية، وحبلك على غاربك، وفارقتك، وسرحتك، وما أشبه ذلك، والى هذا ذهب عبد الوهاب. الثاني: أن تكون الألفاظ كلها صريح في الطلاق، وبعضها أبين من بعض، وإلى هذا ذهب ابن القصار. والثالث: أن صريح الطلاق ما ذكر الله في كتابه، وهو الطلاق، والسراح، والفراق، وهو مذهب الشافعي.
وقوله: إن هزله جد، صحيح لا اختلاف في لزومه الطلاق له، وإن كان هازلا إذا أراد بذلك الطلاق؛ إذ قد يتصور إرادة الطلاق مع الهزل، وكذلك قال مالك في رسم الطلاق، من سماع أشهب، من كتاب التخيير والتمليك: إن الطلاق للاعب لازم إذا أراد به الطلاق، فمعنى قولهم في الطلاق: إن هزله جد، هو أن الطلاق يحكم به عليه، وإن ثبت أنه كان لاعبا لم ينتفع بذلك، وأما إذا أتى مستفتيا فقال: كنت لاعبا، أو لم أرد بذلك طلاقا، وإنما قلت ذلك على وجه ذلك مما يذكره، فيصدق في ذلك، ولا يلزمه الطلاق على القول بأن الطلاق لا يلزم بمجرد القول دون النية، وبالله التوفيق.

.مسألة حلف ألا يضع لزوج ابنته من مائة دينار وكان أصدقها شيئا ثم تبارءا:

وسئل عن رجل يقول له ختنه وكان زوجه ابنته، وهي بكر في حجره، بنقد مائة دينار؛ انقص من المائة، فقال: امرأته طالق إن نقصتك منها، ثم تداعيا بعد ذلك إلى المبارأة، فتبارءا على ألا يتبع الختن ختنه بشيء من النقد ولا الكالئ، هل تراه حانثا في يمينه؟ فإن رأيته حانثا في يمينه وادعى أنه إنما أراد بيمينه ألا يبتني بها إلا بتمام المائة، فهل ترى ذلك له مخرجا من الحنث؟ فإن رأيت ذلك مخرجا، هل ترى له أن يزوجها إياه بعد ذلك بأقل من نقد مائة، أو لا ترى ذلك له؟
قال أصبغ: أرى أن يدين ويجعل القول قوله إن كانت يمينه خرجت على ما يزعم، وعلى إرادته ونيته، فذلك له، وهو يشبه ما يقول في ظاهر الأمر؛ لأن هذا في عقول الناس يرى ويشك أن يكون قد عرف تنازعهما فيه للدخول والنقصان عليه، والبساط والطلب له بالرغبة والرهبة، وإرادة التخفيف مع ذلك لتمامه، فإن شهد له بنحو ذلك، فهو الذي لا شك فيه، وهو له براءة، ولا أوجب عليه يمينا، وأدينه فيه بغير يمين إلا أن يستحسن مستحسن استظهار اليمين عليه، فلا أرى عليه بأسا، وإن لم يشهد له به، ولم يحضره من يشهد دينته وأحلفته، ورأيت ذلك له، ولم أر عليه حنثا، فأما ردها إليه بأقل، فلا أرى ذلك، وأرى إن تم ذلك ووقع أن يحنث، وأراه بمنزلة الذي يبيع السلعة ثم يسأله النقصان، فيحلف ألا ينقصه أو يحلف ألا يبيعه إياها، فمعنى ألا يبيعه إياها، ألا يتم له البيع فيفاسخه فيما يجوز له، ولا يتم له البيع، ثم يريد أن يبيعه بعد ذلك إياها بنقصان، فلا يجوز له وهو حانث، أو يريد أن يبيعه إياها بعد ذلك على حال بشيء من الأشياء، فإن باعه حنث.
قال محمد بن رشد: قوله في الذي حلف ألا يضع لزوج ابنته من مائة دينار، وكان أصدقها شيئا، ثم تبارءا على ألا يتبعه بشيء من النقد ولا الكالئ، أنه لا حنث عليه في ذلك، إن كان إنما أراد ألا يبني بها إلا بتمام المائة، وأنه يصدق فيما زعم أنه نواه من ذلك مع يمينه، إلا أن يشهد له بساط يدل على صدقه فيما ادعاه من النية، فتسقط عنه اليمين إلا أن يستحسن ذلك مستحسن، صحيح على أصولهم؛ لأن النية التي ادعى نية محتملة، فوجب أن يصدق فيها مع يمينه من أجل قيام البينة عليه باليمين، فإن شهد له من البساط فيما يصدق دعواه، سقطت عنه اليمين، وكذلك لو أتى مستفتيا لم يكن عليه في ذلك يمين، وقوله: إن اليمين ترجع عليه ما بقي من ذلك الملك شيء؛ صحيح أيضا على معنى ما في المدونة، ومثل ما مضى في سماع محمد بن خالد، ورسم النذور، من سماع أصبغ، وإنما قال: إنه لا يزوجها منه ثانية بأقل من مائة؛ لأنه حلف ألا ينقصه من المائة شيئا، ولو كان حلف ألا ينقصه من صداقها الذي زوجها به شيئا على ما بينه في سماع محمد بن خالد، وقد مضى في سماع سحنون القول على الذي يحلف ألا يبيع السلعة بعد أن باعها، فلا معنى لإعادة ذلك، وبالله التوفيق.

.مسألة قال لامرأته إن وطئت فلانة إلا برضاك فهي حرة أو أنت طالق فوطئها:

وسألته عن رجل قال لامرأته: إن وطئت فلانة إلا برضاك فهي حرة، أو أنت طالق فوطئها وهي تنظر، فزعمت أنها لم ترض هل يحنث أو ترى سكوتها رضا؟ وهل له أن يطأها حتى يشهد على رضاها، أم لا ترى ذلك عليه؟
قال أصبغ: هو حانث فيما سألت عنه، وإن ادعى رضاها قبل الوطء، فأرى عليه تثبيت ذلك، والتسليم بالإذن من المحلوف له، إلا أن يكون المحلوف له زوجة، أو أم ولد، ومن لا يشهد على مثل هذا، فأرجو ألا يكون عليه شيء إذا وطئ وادعى الإذن بصحته والرضا، وجاء مستفتيا رأيت أن يدين ذلك، فإن كان مشهودا عليه ومخاصما، فأحب إلي أن يكلف البينة على الإذن، وإلا أمضى عليه الطلاق.
قال محمد بن رشد: أما سكوتها فلا يعد رضا؛ إذ قد تسكت غير راضية، وإنما يختلف في السكوت هل يكون إذنا أم لا على قولين إذا كان إنما حلف ألا يطأها إلا بإذنها، وقد مضى القول على ذلك في رسم أسلم، من سماع عيسى، من كتاب النكاح، ومضى في سماع سحنون، من هذا الكتاب، تحصيل الاختلاف في تصديقه في دعوى الإذن، إذا ادعاه بعد الوطء، فلا معنى لإعادة ذكر ذلك، ولم يصدقه أصبغ هاهنا في الزوجة وأم الولد إلا مستفتيا، فظاهر قوله أنه لا يصدقه في غيرهما، ممن يشهد عليه، وإن أتى مستفتيا، وهو عندي بعيد، والصواب أن يصدق فيمن يشهد عليه إن أتى مستفتيا، وفي الزوجة وأم الولد وإن كانت على اليمين بينة، وبالله التوفيق.

.مسألة يحلف بالطلاق ألا يبيعه سلعة إياها وقد فرغ من البيع:

وسئل عن الرجل يبيع السلعة فينقده الثمن، فيقول للمشتري: أبدل لي بعض الدراهم فيأبى، فيحلف بالطلاق ألا يبيعه إياها، وقد فرغ من البيع، ويحلف المشتري بمثل ذلك ألا يشتريها منه، فيسأل كل واحد منهما عن نيته، فيقول البائع: أردت ألا يأخذها، ويقول المشتري مثل ذلك، أو يقول كل واحد منهما: إنما حلفت وأنا أظن أن البيع لا يتم حتى يفترق، وإن لكل واحد منهما أن يفسخ البيع، أو لا يدعي واحد منهما شيئا إلا يمينا خرجت كذا، هل تشبه هذه المسألة مسألة الذي تزوج الأمة، فكان يبعث إلى سيدتها فيخلو معها، فقال: هي طالق إن تزوجتها؟
قال أصبغ: أرى الأيمان في مسألة البيوع لازمة على تلك الوجوه كلها، أي ذلك كان منها، وأرى مخرجها على ألا يأخذ ولا يعطي، وعلى المنع من البائع، والترك من المشتري، فإن سالم بعضهم بعضا حنثوا جميعا إن كانوا حالفين جميعا، وإن كان أحدهما الحالف وسالمه الآخر بر، وإن لم يسالمه وقام على حقه أخذه، وحنث صاحبه، وليس في هذا عندي شك ولا ضعف إلا في الجاهل الذي يظن أن البيع لم يتم، وحلف على ذلك، زعم بأن فيه بعض الضعف، وهو عندي لا حق في رأيي، حانث كأصحابه على ما فسرته لك، لا شك فيه عندي، ومسألة الأمة ما قد علمت من قول مالك، وهو عندنا حانث، والطلاق واقع عليه؛ لأنه جواب ومخاطبة فيها، وفي أمرها وحبسها وإرسالها وعشرتها وغيره، فهو مخرج طالق كالذي تذكر له المرأة ليتزوجها أو يخطبها، أو يدعى إليها فيقول: هي طالق، ولا يقول: إن تزوجتها، فهي طالق إذا تزوجها؛ لأنه جواب يمين، فهو يمين وهو كلام، وكذلك القول في المشتري إن كان هو الحالف سمعت أشهب يقول في هذا ويفتي به، وكذلك ما رواه من مسألتك.
قال محمد بن رشد: أما إذا حلف البائع، وقال: أردت أن أمنعه ما بعت منه، أو حلف المشتري، وقال: أردت ألا آخذ ما اشتريت منه، فلا اختلاف أن الأمر على ما قال أصبغ؛ لأن كل واحد منهما مقر على نفسه بما يوجب عليه الحنث، فلزمه ما أقر به على نفسه، وكان الحكم في ذلك أنه إن مكن البائع المبتاع من السلعة باختياره حنث باتفاق، وإن حكم عليه بذلك بها للمشتري جرى ذلك على اختلاف فيما حلف، ألا يفعل فعلا، فقضى به عليه السلطان، وكذلك القول في المشتري، إن كان هو الحالف.
وأما إن قال الحالف منهما: لم تكن لي نية، فقال سحنون في سماعه، ورواه عن ابن القاسم: أنه لا حنث عليه؛ لأنه إنما حلف على ما قد فات الأمر فيه، وقال أصبغ هاهنا: إن يمين البائع محمولة على المنع، فيحنث إن أسلم له البيع، ويمين المبتاع محمولة على الترك، فيحنث إن أخذ السلعة، وقد مضى القول في سماع سحنون على وجه كل قول منهما.
وأما إن قال الحالف منهما: إنما حلفت وأنا أظن البيع لا يتم حتى يفترق، فقال أصبغ: إن ذلك بمنزلة إذا قال: لم تكن لي نية يحنث الحالف منهما إن لم يسأله صاحبه، وقام بحقه فأخذه، والمعنى فيما ذهب إليه أنه لم يصدقه فيما ادعاه من النية، مع قيام البينة عليه باليمين بالطلاق، ولو أتى مستفتيا؛ لكانت له نيته، ولم يكن عليه شيء.
وأما مسألة الأمة التي ذكرها عن مالك، فوقعت في رسم أخذ يشرب خمرا، من سماع ابن القاسم، بزيادة لفظة تخرجها عن مالك معنى هذه المسائل، وقد مضى القول عليها في موضعها، فلا وجه لإعادته، وبالله التوفيق.

.مسألة حلف على وطء امرأته لوقت فدخل يوما فرأها مزينة وأرادها:

قال: وأخبرني عن ابن وهب وأشهب في مسألة رجل حلف على وطء امرأته لوقت، فدخل يوما فرأها مزينة في غلالة ممصرة، فانبسط لها وأرادها، فقالت: اتق الله، فإنك قد حلفت بطلاقي إن وطئني، فغلب فقال ما منه بد، فعالجها وقد أنعظ، فتلقت ذكره بيدها، فلم يزل يعمل في يدها حتى أدفق، فقال أشهب هو حانث، وقال ابن وهب: لا شيء عليه، وليس هذا وطئا، قال أصبغ: وأنا أقول: إن كانت اليد منها على فرجها بقدر ما يمس ذكر الزوج الفرج أو يلمحه، فينسل وتردف اليد، فأراه حانثا، وقول أشهب في هذا أسلم، وإن كانت المرأة قائمة ممدودة اليد، فعمل فيها بلا ضم ولا كشف، فقول ابن وهب في هذا أحب إلي إن شاء الله.
قال محمد بن رشد: حمل أشهب يمينه على اجتناب، ورأى ذلك هو معنى ما حلف عليه، فأوجب عليه الحنث، وهو الذي يأتي على ما في الإيلاء من المدونة في نحو هذه المسألة، أنه حانث، إلا أن يكون نوى الفرج بعينيه وعلى ما مضى من قول ابن القاسم، في سماع أبي زيد، وحمل ابن وهب يمينه على مقتضى اللفظ، فلم يوجب عليه حنثا، وتفصيل أصبغ ضعيف، وهذا استحسان منه، لا يخرج عن القولين.

.مسألة حلف بطلاق امرأته أن يبني بها إلى أجل سماه فدفع جميع حقها إلى وليها:

وعن رجل حلف بطلاق امرأته أن يبني بها إلى أجل سماه، فدفع جميع حقها إلى وليها، وأخروا في جهازها، فلما أشرف على البناء بها وتقارب الأجل أتى الولي برجلين يشهدان على الزوج أنه حنث فيها، هل ترى للحاكم أن يمنعه من البناء بها حتى يعدل الشهود، وفي منعه تعجيل الطلاق عليه باليمين؟ قال: نعم، يمنعه وإن كان ذلك يحنثه، وينبغي للإمام أن يتفرغ له، ولا يتوانى ولا يشتغل بغيره، فلمثل هذا وضعوا واحتيج إليهم من الحيطة على المسلمين بتعجيل ما رهن من نوازلهم.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن إجراء الأحكام على وجوهما واجب، فليس يمين الزوج الفارطة بالذي تمنع من أن تمر الأحكام على وجوهها، ونهاية ما يقدر في ذلك من الحيطة للزوج أن يتفرغ الإمام لأمره، ويقدمه على ما سواه كما قال، وبالله التوفيق.

.مسألة حلف بطلاق امرأته ألا تخرج إلا بإذنه فيأذن لها إلى موضع فتذهب إليه وإلى غيره:

وسمعته وسئل عن رجل حلف بطلاق امرأته ألا تخرج إلا بإذنه، فيأذن لها إلى موضع فتذهب إليه وإلى غيره.
قال أصبغ: هو حانث، ثم سئل عنها من الغد، فقال: هو حانث، وسئل فقيل له: إن هو حلف فقال إلى موضع من المواضع، فأذن لها إلى موضع فذهبت إليه وإلى غيره، قال: هو حانث.
قال محمد بن رشد: أما الذي يحلف على امرأته ألا تخرج إلا بإذنه، فيأذن لها إلى موضع، فتذهب إليه والى غيره، فقول أصبغ هذا فيه: إنه حانث، هو مثل ما لابن القاسم في آخر سماع أبي زيد، خلاف قوله في الواضحة.
وأما الذي يحلف عليها ألا تخرج إلى موضع من المواضع إلا بإذنه، فيأذن لها إلى موضوع فتذهب إليه وإلى غيره، فلا اختلاف أعلمه في أنه حانث، وقد مضى في رسم تسلف، من سماع عيسى تحصيل القول في هذا المعنى، فلا وجه لإعادته.

.مسألة حلف بطلاق امرأته لتدخلن عليه امرأته ليلة الجمعة فحملت من عند أهلها ليلة الجمعة:

وسمعته وسئل عن الرجل يحلف بطلاق امرأته لتدخلن عليه امرأته ليلة الجمعة، فحملت من عند أهلها ليلة الجمعة ليلا قبل طلوع الفجر، ثم لم يبلغ بها إليه، وإلى مسكنه حتى طلع الفجر، هل تراه حانثا، وقد حلف بطلاقها، لتدخلن عليه ليلة الجمعة، والليلة قد انقضت قبل دخولها عليه؟
قال: إذا كان شأن أهل ذلك الموضع إدخالهم النساء على أزواجهن قبل طلوع الفجر الغالب على عامة الناس بذلك الموضع والمعمول به، والمعروف من فعلهم، فلا حنث عليه، إذا خرج بها من مسكنها قبل طلوع الفجر أو بعده، وإذا كانت سنة البلد إدخالهم النساء على أزواجهن في الليل، فأخرجوها ليلا ثم طلع عليهم الفجر قبل بلاغها، ودخولها لبعد مسكنها لمسكنه ولرفق مسيرهم بها، وتطوفهم على ما يصنع بالعروس فهو حانث.
قال محمد بن رشد: آخر الليل على ما أحكمه الشرع طلوع الفجر، بدليل قول النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ: «إن بلالا يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم» فلذلك قال: إنه يحنث إن أدخلت عليه بعد طلوع الفجر، إلا أن تكون عادة الناس في ذلك البلد إدخال النساء على أزواجهن بعد طلوع الفجر، فيحمل يمينه على ذلك، ولا يحنث إذا أدخلت عليه فيما بينه وبين طلوع الشمس من تلك الليلة، ولولا ما أحكمته السنة من أن منتهى الليل طلوع الفجر؛ لكان القياس أن يكون منتهاه طلوع الشمس كما مبتداه غروبها؛ لأن السرقة والغبش التي بعد طلوع الفجر إلى طلوع الشمس بمنزلة السرق والغبش الذي بعد مغيب الشمس إلى مغيب الشفق؛ لأنهما ظلامان يليان الليل من طرفيه، فإما أن يحكم لهما جميعا بحكم الليل من أجل ما فيهما من السواد، أو يحكم لهما بحكم النهار من أجل ما فيهما من البياض، والأظهر أن يحكم لهما جميعا بحكم الليل؛ لأن الشمس هي المفرقة بين الليل والنهار، فوجب أن يكون الليل مدة مغيبها، والنهار مدة طلوعها؛ لأن الشرع قد يأتي مخالفا للقياس، فيجب الوقوف عنده، والانتهاء إليه، والبناء عليه، وإطراح ما هو القياس معه.
وليس وجه في النظر أيضا، وهو أن يحكم بالضياء المتصل بالليل من أول الفجر بحكم ما بعده؛ لأنه في ازدياد، وأن يحكم بالظلام المتصل بالنهار من أول الغروب بحكم ما بعده؛ لأنه في ازدياد أيضا، وبالله التوفيق.

.مسألة حلف بالطلاق ألا يطأ امرأته حتى إلى العيد فوطئها ليلة العيد:

وسئل أصبغ عمن حلف بالطلاق ألا يطأ امرأته حتى إلى العيد، فوطئها ليلة العيد قبل الفجر أو بعد الفجر.
قال: لا يطأها حتى إلى العيد، وبعدما ينصرف الإمام، وإن وطئها قبل ذلك حنث، والعيد عندي انصراف الإمام.
قيل له: فرجل وقع له بينه وبين أهله كلام، فحلف بالطلاق ألا يدخل بيته يوم العيد؟
قال: لا يدخل يوم العيد، ولا يومان بعده، وذلك في الفطر.
قال محمد بن رشد: جوابه في هاتين المسألتين على مراعاة المقصد الذي يرى أن الحالف أراده، وترك الاعتبار بما يقتضيه مجرد الألفاظ، فقال في الذي يحلف ألا يطأ امرأته حتى إلى العيد، أنه لا يطأها حتى ينصرف الناس منه بعيدهم، ويستريحون فيه من نصبهم، فحمل يمين الحالف على ذلك، وعلى ما يقتضيه لفظ يمينه لا حنث عليه إن وطئها بعد طلوع الفجر من يوم العيد، والأول هو المشهور في المذهب.
وقال في الذي يحلف ألا يدخل بيته يوم العيد: إنه لا يدخله يوم العيد ولا يومان بعده في الفطر على هذا المعنى أيضا؛ لأن هذه المدة هي التي جرت عادة الناس بالسكون إلى أزواجهم من أجل عيدهم، وترك التصرف في وجوه معايشهم، فحملت يمينه على أنه إذا أراد معاقبة أهله في أن يحرمها من نفسه ما جرت العادة فيه من الناس بمثله، وهو بين.
وعلى ما يقتضيه لفظ يمينه، ليس عليه أن يمتنع من دخول بيته إلى يوم الفطر وحده، وقد حكى ذلك ابن سحنون عن أبيه، وهو المشهور في المذهب، وبالله التوفيق، لا شريك له، وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد، وآله وصحبه.

.كتاب الإيلاء:

.مسألة المولى منها إذا ارتجعها زوجها من عذر فانقضت العدة وهي عنده ثم لم يفئ:

من سماع ابن القاسم من مالك بن أنس من كتاب أوله تأخير صلاة العشاء قال ابن القاسم: قال مالك في المولى منها إذا ارتجعها زوجها من عذر، فانقضت العدة، وهي عنده، ثم لم يفئ بعد أن ذهب العذر ففرق بينهما، أترى عليه عدة أخرى، أم العدة الأولى تجزئها؟
قال مالك: أرى أن العدة الأولى تجزيها، قال ابن القاسم: وذلك إذا لم يخل بها.
قال محمد بن رشد: قوله: إذا ارتجعها زوجها من عذر، معناه إذا ارتجعها زوجها، فلم يفئ من عذر، وإنما قال: إنه إذا لم يفئ في العدة، ولا بعد أن انقضت حين ذهب العذر يفرق بينهما: إنها لا عدة عليها، وإن العدة الأولى تجزئها؛ لأن رجعة المولي الحالف على ترك الوطء إنما تصح بالفيء في العدة، فإذا كان له عذر يمنعه من الفيء في العدة من مرض أو سجن باتفاق، أو سفر على اختلاف، عذرا لم يفرق بينهما حتى يزول العذر، فيترك الفيء فإذا فرق بينهما وجب ألا يكون عليها عدة أخرى بهذه التفرقة؛ إذ ليست بطلاق، وإنما فرق بينهما إذ بطلت رجعته إياها بترك الوطء في العدة وبعدها حين ذهب العذر، فوجب أن تجزيها العدة الأولى، إذ لم يصح له فيها الرجعة.
وقول ابن القاسم، وذلك إذا لم يخل بها، يريد أنه إن خلا بها كان عليها العدة للأزواج في الحكم الظاهر من أجل أنها يتهمان على إسقاط العدة مع الخلوة، وأما فيما بينها وبين الله، فلا عدة عليها، ولا رجعة للزوج عليها ولا ميراث بينهما، ومثل هذا في المدونة، وقد ضعف في رواية أشهب بعد هذا وجوب العدة عليها للأزواج بسبب الخلوة، ورأى التهمة في ذلك بعيدة، وهو كما قال؛ لأن الزوجة وإن اتهمت على إرادة تعجيل النكاح بدعواها أنه لم يطأ، لا يتهم الزوج بتصديقها على ذلك؛ لما فيه من قطع نسبه، وهذا معنى قوله في هذه الرواية: وهذا أمر قد أعفي منه المسلمون، يريد أن مثل هذا لا يتهم فيه المسلم.
وإنما لم يصح للذي يطلق عليه بالإيلاء رجعة، إلا بالفيء في العدة؛ لأنه إنما طلق عليه؛ إذ لم يفئ، فلو كان له أن يرتجع ولا يفيء؛ لكان ذلك إبطالا للحكم عليه بالطلاق، وزيادة فيما حده الله تعالى من أجل الإيلاء.
وما يكون به المولي، فلا يطلق عليه إذا فعله، وتصح له به الرجعة إن فعله في العدة، مختلف باختلاف أيمانه.
فما كان منها لا يقدر أن يحله عن نفسه، مثل أن يكون حلف ألا يطأ بمشي أو صدقة أو عتق غير معين، وما أشبه ذلك، فهذا لا فيئة له فيه، إلا بالوطء؛ لأنه إن مشى أو تصدق أو أعتق قبل أن يطأ، لم ينتفع بذلك ولا يبر به، ووجب عليه إن وطئ أن يمشي ويتصدق أو يعتق.
وما كان منه يقدر أن يحله عن نفسه ظاهرا وباطنا، مثل أن يكون حلف ألا يطأ بعتق عبد بعينه، أو صدقة شيء بعينه، أو طلاق امرأة له، وما أشبه ذلك، فهذا يكون فيه مخيرا بين أن يفيء بالوطء، أو يفعل ما حلف به من العتق، أو الصدقة، أو الطلاق؛ لأنه إذا فعل ذلك انحلت عنه اليمين، وسقط عنه الإيلاء.
وما كان من ذلك يقدر على حله عن نفسه في الباطن، إلا أنه لا يعلم حقيقة ذلك في الظاهر، وذلك أن يكون حلف بالله أو بنذر لا يسمي له مخرجا، فهذا اختلف فيه، هل تقبل منه الفيئة قبل الكفارة أم لا على قولين؛ أحدهما: أنها تقبل منه؛ لأن الكفارة تحل اليمين. والثانية: أنها لا تقبل منه؛ إذ لا يحلها إلا أن يكون نوى الكفارة عنها، ونحن لا ندري هل نوى بها الكفارة عنها أو عن يمين أخرى، أو لم ينو بها كفارة بشيء من الأيمان جملة.
والقولان قائمان من المدونة.
وابن الماجشون لا يرى الفيئة في شيء من ذلك كله إلا بالجماع، وبالله التوفيق.